ايها الشاعر

أيها الشاعر المستحم بأمطار أحزانه.. هاهي القصيدة تهرب من نافذة ليلك. تطوف الآفاق , وتهمي دهشة في المسافة الفاصلة بين خطوات أمانيك القريبة, وأمانيك البعيدة تقول لها:

هاتي يديك غاليتي.. تعالي نبحر معاً !‏

تلك القصيدة بعينها ناورتك, حاورتك, عذّبتك وهي حرون. هذا المساء كان اشتعال القمر, وكان السطوع في أبهى تجلياته, وكان ديك الجن يرحل في دمك. خلعت حبّك بردة فوق كتفيها الناحلين. أقسمت في حضرتها بأنها الوحيدة والفريدة والأثيرة لديك لكنّها ظلّت تتوارى, وتتمنّع, وتشعّب الدرب إلى ألف درب, وظللت أيّها الشاعر تعدو خلفها. يداك مغلولتان دونها, وكذلك سلطانك وعشقك ووهج رؤاك. إنّه اليتم يشرّش في رجع وقتك, ويتركك وحيداً مع حزن يصطفيك أينما ذهبت, وحيثما حللت, وكيفما وضعت رحالك.. وعلى الشعر السلام, تقرأ عليه فاتحة الكلام, وتعاويذ الحروف, ونذراً من التمتمات. تطلق عصافير الترجّي إلى فضاء متجدّد الأبعاد, فيهرب البيان إلى الوراء, إلى ماقبل, مابعد ألف عام.‏

قلمك المنذور لقربان القريض, يسترق النظر من وراء الزجاج فيرى العاشقات يحكن الأشواق معاطف لمن أحببن, ويرى فنون السهاد تتراقص سكرى في عيون المولهين. دمك صار حبراً, وأصابعك ذابت مثل شموع. هو قدرك, وقدر الذين هبط عليهم دعاء السماء, أن يكتبوا بنزف الجرح, ويكتبوا بالحصار. يصلّون كي تبقى السنابل شامخة, والبنفسج في حال انبهار.‏

وأسألكَ أيّها النائم في مهد أحلامه:‏

ما الذي يضمّه ديوانك المغلق؟.. دعني أقرأ طالعك, وأفكّ رموزك, وأعرف سرّ النقطة, وسرّ الألف وسرّ الكاف وسرّ النون.‏

فتحتُ حقيبة نومك ذات وسن.. فتحتها على غفلة منك, فوجدتك هناك وحيداً, إلاّ من قوافيك الشريدة, كما في الأماكن المقفرة, ووحشة الأيّام , والفيافي التي لاتتّسع لسواك, رأيتك متوّجاً بالوجع, تناشد قصيدة حبيبة أليفة, تهديها نبضك وحبرك وبعضاً من البهجة المحرمة.‏

تسألها بحرقة :‏

ـ لماذا تفرّين أيّتها القصيدة؟.. أخشى عليك من غياهب السراب, وبعثرة الريح. تعالي أصفك فاتنة. تعالي أشكّلك وشماً وشمساً. تعالي لأكون قيساً , وأنتِ ليلى.‏

تعالي وانزلي على خافقي برداً وسلاماً إلى حين..‏

يحاصركَ المخاض. تعذّبك الولادة, ترتقي بك إلى مراتب الخلاص.وحين يتحقّق هذا, ويصل الأمر إلى أوجه, تسمع من خلف زجاج النافذة خطوات تتهادى نحو غرفتك, وترى القصيدة بعنفوانها وتمرّدها, تدخل ملكوت المكان الذي تجلس فيه. تطبع على فضاءات ركنك قبلة..‏

ترخي سنابل شعرها فوق أرق أصابعك المثقلات بحمّى الشعر. تكويك بلظى بوحها, وفوحها, وشهقة مفرداتها, وترانيم لغاتها. تحتويك, تذوب فيك, فتمسك بتلابيب اليراع و.. تكتب.‏

الله يا ابن العم شو هاد
انا كتير بحترم كتاباتك
عنجد شي كتير حلو
شكرا كتير الك